فصل: تنبيه: الشفاعة للعصاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.3- فيمن تجري الشفاعة؟

قد عرفت أن تعيين المشفوع لهم يوم القيامة لا يلائم التربية الدينية كل الملائمة إلا أن يعرفوا بما لا يخلو عن شوب ابهام وعلى ذلك جرى بيان القرآن، قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين} المدثر- 48، بين سبحانه فيها أن كل نفس مرهونة يوم القيامة بما كسبت من الذنوب مأخوذه بما اسلفت من الخطايا إلا أصحاب اليمين فقد فكوا من الرهن واطلقوا واستقروا في الجنان، ثم ذكر أنهم غير محجوبين عن المجرمين الذين هم مرهونون باعمالهم، مأخوذ عليهم في سقر، يتساءلون عنهم سلوكهم في النار، وهم يجيبون بالإشارة إلى عدة صفات ساقتهم إلى النار، فرع على هذه الصفات بأنه لم ينفعهم لذلك شفاعة الشافعين.
ومقتضى هذا البيان كون أصحاب اليمين غير متصفين بهذه الصفات التي يدل الكلام على كونها هي المانعة عن شمول الشفاعة، وإذا كانوا غير متصفين بهذه الصفات المانعة عن شمول الشفاعة وقد فك الله تعالى نفوسهم عن رهانة الذنوب والآثام دون المجرمين المحرومين عن الشفاعة، المسلوكين في سقر، فهذا الفك والاخراج إنما هو بالشفاعة فأصحاب اليمين هم المشفعون بالشفاعة وفي الآيات تعريف أصحاب اليمين بإنتفاء الاوصاف المذكورة عنهم، بيان ذلك: أن الآيات واقعة في سورة المدثر وهي من السور النازلة بمكة في بدء البعثة كما ترشد إليه مضامين الآيات الواقعة فيها، ولم يشرع يومئذ الصلوة والزكوة بالكيفية الموجودة اليوم، فالمراد بالصلوة في قوله: {لم نك من المصلين} التوجه إلى الله تعالى بالخضوع العبودي، وباطعام المسكين مطلق الانفاق على المحتاج في سبيل الله، دون الصلوة والزكوة المعهودتين في الشريعة الإسلامية والخوض هو الغور في ملاهيالحياة وزخارف الدنيا الصارفة للإنسان عن الإقبال على الآخرة وذكر الحساب يوم الدين: أو التعمق في الطعن في آيات الله المذكرة ليوم الحساب المبشرة المنذرة، وبالتلبس بهذه الصفات الاربعة، وهي ترك الصلوة لله وترك الانفاق في سبيل الله والخوض وتكذيب يوم الدين ينهدم أركان الدين، وبالتلبس بها تقوم قاعدته على ساق فان الدين هو الاقتداء بالهداة الطاهرين بالاعراض عن الاخلاد إلى الأرض والاقبال إلى يوم لقاء الله وهذان هما ترك الخوض وتصديق يوم الدين ولازم هذين عملا التوجه إلى الله بالعبودية، والسعي في رفع حوائج جامعةالحياة وهذان هما الصلوة والانفاق في سبيل الله، فالدين يتقوم بحسب جهتي العلم والعمل بهذه الخصال الاربع، وتستلزم بقية الاركان كالتوحيد والنبوة إستلزاما هذا، فأصحاب اليمين هم الفائزون بالشفاعة، وهم المرضيون دينا وإعتقادا سواء كانت أعمالهم مرضية غير محتاجة إلى شفاعة يوم القيامة أو لم تكن، وهم المعنيون بالشفاعة، فالشفاعة للمذنبين من أصحاب اليمين، وقد قال تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} النساء- 31، فمن كان له ذنب باق إلى يوم القيامة فهو لا محالة من إهل الكبائر، إذ لو كان الذنب من الصغائر فقط لكان مكفرا عنه، فقد بان أن الشفاعة لأهل الكبائر من أصحاب اليمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فأما المحسنون فما عليهم من سبيل...». الحديث.
ومن جهة أخرى إنما سمى هؤلاء بأصحاب اليمين في مقابل أصحاب الشمال وربما سموا أصحاب الميمنة في مقابل أصحاب المشئمة، وهو من الألفاظ التي اصطلح عليه القرآن مأخوذ من إيتاء الإنسان يوم القيامة كتابه بيمينه أو بشماله، قال تعالى: {يوم ندعو كل اناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} أسرى- 72، وسنبين في الآيه إن شاء الله تعالى أن المراد من إيتاء الكتاب باليمين إتباع الإمام الحق، ومن إيتائه بالشمال إتباع إمام الضلال كما قال تعالى في فرعون: {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار} هود- 98، وبالجملة مرجع التسمية بأصحاب اليمين أيضا إلى ارتضاء الدين كما أن إليه مرجع التوصيف بالصفات الاربعة المذكورة هذا.
ثم إنه تعالى قال في موضع آخر من كلامه: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} الأنبياء- 28، فأثبت الشفاعة على من إرتضي، وقد أطلق الارتضاء من غير تقييد بعمل ونحوه، كما فعلة في قوله: {إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا} طه- 109، ففهمنا أن المراد به إرتضاء أنفسهم أي إرتضاء دينهم لا إرتضاء عملهم، فهذه الآية أيضا ترجع من حيث الافادة إلى ما ترجع إليه الآيات السابقة ثم إنه تعالى قال يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا فهو يملك الشفاعة أي المصدر المبني للمفعول وليس كل مجرم بكافر محتوم له النار، بدليل قوله تعالى: {إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيي ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فاؤلئك لهم الدرجات العلى} طه- 75، فمن لم يكن مؤمنا قد عمل صالحا فهو مجرم سواء كان لم يؤمن، أو كان قد آمن ولم يعمل صالحا، فمن المجرمين من كان على دين الحق لكنه لم يعمل صالحا وهو الذي قد اتخذ عند الله عهدا لقوله تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} يس 61 فقوله تعالى: {وأن اعبدوني} عهد بمعنى الأمر وقوله تعالى: {هذا صراط مستقيم} عهد بمعنى الالتزام لاشتمال الصراط المستقيم على الهداية إلى السعادة والنجاة، فهؤلاء قوم من أهل الإيمان يدخلون النار لسوء أعمالهم، ثم ينجون منها بالشفاعة، وإلى هذا المعنى يلوح قوله تعالى: {قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا} البقرة- 80، فهذه الآيات أيضا ترجع إلى ما ترجع إليه الآيات السابقة، والجميع تدل على أن مورد الشفاعة أعني المشفوع لهم يوم القيامة هم الدائنون بدين الحق من أصحاب الكبائر، وهم الذين إرتضى الله دينهم.

.4- من تقع منه الشفاعة؟

قد عرفت أن الشفاعة منها تكوينية، ومنها تشريعية، فأما الشفاعة التكوينية فجملة الأسباب الكونية شفعاء عند الله بما هم وسائط بينه وبين الأشياء.
وأما الشفاعة التشريعية، وهي الواقعة في عالم التكليف والمجازات، فمنها ما يستدعي في الدنيا مغفرة من الله سبحانه أو قربا وزلفى: فهو شفيع متوسط بينه وبين عبده.
ومنه التوبة كما قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم} الزمر- 54، ويعم شموله لجميع المعاصي حتى الشرك.
ومنه الإيمان قال تعالى: {آمنوا برسوله} إلى قوله: {ويغفر لكم} الحديد- 28.
ومنه كل عمل صالح.
قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم} المائدة- 9، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} المائدة- 35، والآيات فيه كثيرة، ومنه القرآن لقوله تعالى: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} المائدة- 16.
ومنه كل ما له ارتباط بعمل صالح، والمساجد والامكنة المتبركة والايام الشريفة، ومنه الأنبياء والرسل بإستغفارهم لاممهم.
قال تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فإستغفروا الله وإستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} النساء- 64.
ومنه الملائكة في استغفارهم للمؤمنين، قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} المؤمن- 7، وقال تعالى: {والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم} الشوري- 5، ومنه المؤمنون بإستغفارهم لأنفسهم ولاخوانهم المؤمنين قال تعالى حكاية عنهم {وأعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا} [البقرة: 286] ومنها الشفيع يوم القيامة بالمعنى الذي عرفت فمنهم الأنبياء.
قال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون} إلى أن قال: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} الأنبياء- 29، فأن منهم عيسى بن مريم وهو نبي، وقال تعالى: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} الزخرف- 86، والآيتان تدلان على جواز الشفاعة من الملائكة أيضا لأنهم قالوا إنهم بنات الله سبحانه.
ومنهم الملائكة: قال تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغنى شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} النجم- 26، وقال تعالى: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} طه- 110، ومنهم الشهداء لدلالة قوله تعالى: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} الزخرف- 86، على تملكهم للشفاعة لشهادتهم بالحق، فكل شهيد فهو شفيع يملك الشهادة غير أن هذه الشهادة كما مر في سورة الفاتحة وسيأتي في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} البقرة- 143، شهادة الأعمال دون الشهادة بمعنى القتل في معركة القتال، ومن هنا يظهر أن المؤمنين أيضا من الشفعاء فإن الله عز وجل أخبر بلحوقهم بالشهداء يوم القيامة قال تعالى: {والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم} الحديد- 19، كما سيجئ بيانه.

.5- بماذا تتعلق الشفاعة؟

قد عرفت أن الشفاعة منها تكوينية تتعلق بكل سبب تكويني في عالم الأسباب ومنها شفاعة تشريعية متعلقة بالثواب والعقاب فمنها ما يتعلق بعقاب كل ذنب، الشرك فما دونه كشفاعة التوبة والإيمان قبل يوم القيامة ومنها ما يتعلق بتبعات بعض الذنوب كبعض الأعمال الصالحة، وأما الشفاعة المتنازع فيها وهى شفاعة الأنبياء وغيرهم يوم القيامة لرفع العقاب ممن إستحقه بالحساب، فقد عرفت في الأمر الثالث أن متعلقها أهل المعاصي الكبيرة ممن يدين دين الحق وقد ارتضى الله دينه.

.6- متى تنفع الشفاعة؟

ونعني بها أيضا الشفاعة الرافعة للعقاب، والذي يدل عليه قوله سبحانه: {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر} المدثر- 42، فالآيات كما مر دالة على توصيف من تناله الشفاعة ومن يحرم منها غير أنها تدل على أن الشفاعة إما تنفع في الفك عن هذه الرهانة والاقامة والخلود في سجن النار، وأما ما يتقدم عليه من أهوال يوم القيامة وعظائمها فلا دليل على وقوع شفاعة فيها لو لم تدل الآية على انحصار الشفاعة في الخلاص من رهانة النار.
واعلم أنه يمكن أن يستفاد من هذه الآيات وقوع هذا التساؤل بعد استقرار أهل الجنة في الجنة واهل النار في النار وتعلق الشفاعة بجمع من المجرمين بإخراجهم من النار، وذلك لمكان قوله: {في جنات} الدال على الاستقرار وقوله: {ما سلككم} فإن السلوك هو الادخال لكن لا كل إدخال بل إدخال على سبيل النضد والجمع والنظم ففيه معنى الاستقرار وكذا قوله: {فما تنفعهم} فإن ما لنفي الحال، فافهم ذلك.
واما نشأة البرزخ وما يدل على حضور النبي عليه السلام والائمة عليهم السلام عند الموت وعند مسائلة القبر وإعانتهم إياه علي الشدائد كما سيأتي في قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به} النساء- 158، فليس من الشفاعة عند الله في شيء وإنما هو من سبيل التصرفات والحكومة الموهوبة لهم بإذن الله سبحانه، قال تعالى: {وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنه أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون} إلى أن قال: {ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغني عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون} الأعراف- 46، 48، 49، ومن هذا القبيل من وجه قوله تعالى: {يوم ندعوا كل اناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه} أسرى- 71، فوساطة الإمام في الدعوة، وإيتاء الكتاب من قبيل الحكومة الموهوبة فافهم.
فتحصل أن المتحصل من أمر الشفاعة وقوعها في آخر موقف من مواقف يوم القيامة بإستيهاب المغفرة بالمنع عن دخول النار، أو إخراج بعض من كان داخلا فيها، بإتساع الرحمة أو ظهور الكرامة. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَاتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [48].
{وَاتَّقُواْ يَوْمًا} يريد يوم القيامة أي: حسابه أو عذابه: {لاَّ تَجْزِي} فيه: {نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا} أي: لا تقضي عنها شيئًا من الحقوق. فانتصاب: {شيئًا} على المفعولية، أو شيئًا من الجزاء فيكون نصبه على المصدرية، وإيراده منكّرًا مع تنكير النفس للتعميم، والإقناط الكلي: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ} لا يقبل: {مِنْهَا عَدْلٌ} أي: فدية: {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمنعون من عذاب الله. وجُمع لدلالة النفس المنكّرة على النفوس الكثيرة، وذُكّر لمعنى العباد أو الأناسي.

.تنبيه: الشفاعة للعصاة:

تمسكت المعتزلة بهذه الآية على أن الشفاعة لا تقبل للعصاة؛ لأنه نفى أن تقضي نفس عن نفس حقًا أخلت به من فعل أوترك، ثم نفى أن يقبل منها شفاعة شفيع، فعلم أنها لا تقبل للعصاة.
والجواب: أنها خاصة بالكفار. ويؤيده أن الخطاب معهم كما قال: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48]، وكما قال عن أهل النار: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100، 101] فمعنى الآية أنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة، ولا يُنفذ أحدًا من عذابه منقذ، ولا يخلص منه أحد.
وفي الانتصاف: من جحد الشفاعة فهو جدير أن لا ينالها. وأما من آمن بها وصدقها؛ وهم أهل السنة والجماعة، فأولئك يرجون رحمة الله، ومعتقدهم أنها تنال العصاة من المؤمنين وإنما ادخرت لهم، وليس في الآية دليل لمنكريها؛ لأن قوله: {يومًا} أخرجه منكّرًا، ولا شك أن في القيامة مواطن، ويومها معدود بخمسن ألف سنة، فبعض أوقاتها ليس زمانًا للشفاعة، وبعضها هو الوقت الموعود، وفيها المقام المحمود لسيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد وردت آي كثيرة ترشد إلى تعدد أيامها واختلاف أوقاتها؛ منها قوله تعالى: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]، مع قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27] فيتعين حمل الآيتين على يومين مختلفين، ووقتين متغايرين: أحدهما محل للتناول، والآخر ليس محلًا له. وكذلك الشفاعة، وأدلة ثبوتها لا تحصى كثرة، رزقنا الله الشفاعة، وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة. اهـ.